مؤتمر الدوحة الثاني عشر لحوار الأديان "الأمن الروحي والفكري في ضوء التعاليم الدينيّة" خلال الفترة من 16 إلى 17 فبراير 2016م الدوحة - قطر
ﺃﺧﺒﺎﺭ

قطر تسعى لتحقيق السلم العالمي 

كتب - محمد حربي– يارا أبو شعرا
جريدة الوطن – 16 فبراير 2016م

بدأت أمس فعاليّات مؤتمر الدوحة الثاني عشر لحوار الأديان تحت شعار "الأمن الروحي والفكري في ضوء التعاليم الدينيّة" حيث خاطب الجلسة الافتتاحيّة من المؤتمر سعادة الدكتور حسن بن لحدان المهندي وزير العدل وسعادة الدكتور ابراهيم بن صالح النعيمي رئيس مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان وسعادة الدكتور أحمد زياد وزير الشؤون الإسلاميّة في جمهوريّة المالديف والكاردينال جان لوي توران، رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان بالفاتيكان، والحاخام الدكتور ريفين فيرستون الأستاذ الجامعي بالولايات المتحدة الأميركية، وترأست الجلسة الدكتورة عائشة المناعي نائب رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان.

وبحضور أصحاب السعادة السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسيّة المعتمدين لدى دولة قطر، حيث أشاد المشاركون باستضافة قطر لهذا المؤتمر السنوي، والتأكيد على أهمّية القضيّة الهامة التي يطرحها في دورته الراهنة وفي الوقت الحاضر، لما تواجه منطقتنا خاصة والعالم بصفة عامة من تحدّيات تهدّد مستقبله، وتجعل طريق الأجيال القادمة تشوبه حالة من الضبابيّة.

ويناقش المؤتمر على مدى يومين أربعة محاور، أولها بعنوان «الدين وحدة إنسانيّة مشتركة للأمن الروحي والفكري». ويتناول المحور الثاني أساليب ووسائل الغزو الفكري والأخلاقي وأثره على زعزعة الأمن الفكري.. في حين تناول المحور الثالث سبل تحصين الشباب من العنف الفكري والأخلاقي والتضليل الثقافي، وتعقد ضمن المحور الرابع حلقة نقاشية حول "استراتيجيّات حماية الأمن الروحي والفكري.. قراءة في استشراف المستقبل".

أكد سعادة الدكتور حسن بن لحدان المهندي وزير العدل، أن دولة قطر تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدّى "حفظه الله"، ماضية قدماً في تكريس كافة جهودها والتعاون من أجل ترسيخ قيم ثقافة الحوار بين جميع الأفراد والثقافات باعتبار ذلك حجر الزاوية في تحقيق الأمن والسلم العالمي، موضّحاً أن مؤتمر هذا العام ينعقد في ظلّ ظروف إنسانيّة حرجة بعد أن تزايدت وتيرة التطرّف والعنف في كثير من بقاع المعمورة بصورة باتت تدق ناقوس خطر يهدّد المجتمع الدولي، وتدعو إلى ضرورة التوحّد والعمل الإنساني المشترك من أجل نشر الأمن الروحي والفكري ومجابهة خطاب الكراهيّة والتطرّف بكافة صوره وأشكاله.
 
وأوضح أن رسالة نشر ثقافة وقيم التعايش السلمي والتسامح الإنساني تواجه العديد من التحدّيات الجسيمة التي تحتاج لمزيد من النظر والتحليل، مبيّناً أن من أخطر هذه التحدّيات ظاهرة أن يقترن الاختلاف مع الآخر بالمساس بحرّية العقيدة والدين، مؤكداً أن مسألة ازدراء الأديان والمقدّسات والمعتقدات والثقافات الأخرى، لا تعدّ فقط مسلكاً يحضّ على العنصريّة والغلو، بل إنها وقود يشعل الفتن ويلهب نعرات التعصّب والكراهيّة.
 
ومضى سعادته قائلاً في هذا السياق، إنّ التحدّيات كثيرة وجسيمة، لكنها زائلة بإذن الله، بفضل دور المشاركين المحوري في تصحيح الأفكار المغلوطة ونشر ثقافة الأمن الروحي والفكري بين الناس مع ضرورة التركيز على النشء الجديد بحسبانهم عقول وسواعد الحضارة الإنسانيّة المشتركة ومستقبل العالم الواحد المشرق.
 
ومن جانبه أكد الدكتور ابراهيم بن صالح النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، أن المؤتمر الثاني عشر لحوار الأديان بالدوحة يأتي في وقت بالغ الأهمّية، حيث تمرّ سفينة البشريّة هذه الأيام، عبر بحر هائج ومتلاطم الأمواج ينذر بالغرق لكل من فيها، داعياً المشاركين من منطلق مسؤوليّتهم المشتركة، التفكير بكل حكمة وتدبر لإيصال هذه السفينة إلى برّ الأمان.
 
وأوضح الدكتور النعيمي أن العالم يعيش اليوم أزمة حقيقيّة تتجسّد في ظهور العنف بكل أشكاله، وتصل في كثير من الأحيان إلى انتهاكات تزهق أرواح ملايين الأبرياء في نزاعات لا مبرّر لها على الإطلاق، كما أعرب عن أسفه واستغرابه كون هذه الأعمال والسلوكيّات المستهجنة التي يتستر أصحابها في أحيان كثيرة وراء مزاعم تنسب للأديان وهي منها براء، قد أصبحت رهينة لتلك الاتجاهات الفكريّة المتطرّفة التي لم تراع حق الحياة والكرامة الإنسانيّة.
 
ودعا النعيمي أتباع الديانات وغيرهم من الأكاديميين والباحثين من منطلق روابط الأخوّة والإنسانيّة التي تجمع بينهم، أن يقفوا وقفة رجل واحد أمام التحدّيات الكثيرة المعيقة لتقدّم المجتمعات وعلى وجه الخصوص ما يهدّد أمنها الروحي والفكري.
 
وشدّد في هذا الخصوص على أن ما يجمع بين أصحاب الديانات أكثر ممّا يفرّقهم، لكنه قال إن النظرة الضيّقة المشرّبة بالأنانيّة والمصلحة الآنيّة تصنّف الناس إلى أعداء وأصدقاء وإلى أخوة وأعداء بينما الأصل حسب القيم الدينيّة والأخلاقيّة، أن الناس يجمعهم أصل واحد ويشتركون بكرامة وحقوق وواجبات وعيش مشتر، ونوّه بأنه من منطلق الأخوة الإنسانية بدأ مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان عبر الحوار الجاد والهادي، التعاون المشترك ضمن القيم المشتركة بين جميع الأطراف على المستوى المحلي أو الدولي لتحقيق هذه المبادئ التي نادى بها الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والتسليم.
 
وأضاف الدكتور ابراهيم بن صالح النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، في كلمة في افتتاح المؤتمر، أنّ دولة قطر بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدّى والحكومة الرشيدة، لا تألوا جهداً في ترسيخ ثقافة الحوار مع جميع الأطراف والثقافات والحضارات انطلاقاً من إيمانها بضرورة مدّ جسور التعايش وحسن الجوار والانفتاح على الحضارات الأخرى، لافتاً إلى أن الحوار كان هو شعار المركز منذ البداية من منطلق الإيمان بأنه لا سبيل للتعايش أو التفاهم بين الأفراد والجماعات أو الدول، إلا من خلال الحوار البناء المنطلق من الاعتراف بالآخر واحترام ثقافته ومعتقداته ومقدّساته.
 
كما تطرّق لشعار مؤتمر حوار هذا العام الذي يركز فيه المشاركون على سبل حماية الأمن الروحي والفكري على ضوء التعاليم الدينيّة، مشيراً إلى أنه بإمكان القيادات الدينيّة لعب دور مهمّ في هذا الصدد بحكم التأثير الروحي والفكري والاحترام الذي تحظى به لدى مجتمعاتها للتصدي لمثل هذه الظواهر والسلوكيّات المفسدة. وقال إن الأديان يمكنها كذلك أن تسهم في لعب دور إيجابي ووقائي وتربوي في علاج مشكلات مجتمعاتها سواء في النواحي الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو التربويّة بالتنسيق مع المؤسّسات المجتمعيّة الأخرى بهدف تمكين المجتمعات متعدّدة الثقافات والديانات من الازدهار والتطوّر في مناخ من الطمأنينة والسلام وتجنب الصراعات والانحرافات.

وشدّد على أن من التحديات التي تعترض طريق التعايش والاستقرار بين الأديان، تنامي ظاهرة تبعث على القلق والمتمثلة في ازدراء المقدّسات والثقافات الأخرى معتبراً ذلك شكلاً من أشكال العنصريّة والعصبيّة ولها نتائج سلبيّة ومعيقة للتعايش بين الثقافات والأديان ممّا يجعل من المهمّ على المشاركين التطرّق لكل ذلك في مداخلاتهم والتباحث في أسبابها بغرض الوصول إلى الحلول الممكنة لها، لافتاً إلى ضرورة التصدّي لخطاب الكراهيّة والتشدّد والغلو بكل أشكاله ومصادره سواء كان دينيّاً أو غير ديني، عبر تغليب لغة الحوار والتسامح والإقناع على لغة العنف والكراهيّة والتعصّب المؤدّية إلى نتائج لا تحمد عقباها، أنه لا يمكن معالجة التشدّد والغلو ونتائجها المدمّرة بمقاربة أمنيّة أو سياسيّة، بل تحتاج إلى استراتيجيّة تنويريّة فكريّة تعالج جذور المشكلة مع تقديم بدائل مناسبة، لافتاً إلى أن من ضرورات الأمن الروحي والفكري التصدّي للأفكار المنحرفة بمنهجيّة حواريّة منبثقة من التعاليم الدينيّة المدعومة بمنطق العقل، كما أنه من المهمّ مقابلة الأفكار المتشدّدة المنغلقة على نفسها بأفكار أخرى ترسخ ثقافة التسامح ومنفتحة على الآخر المختلف، والعمل على تصحيح التفسيرات الخاطئة للدين وما ينتح عنها من صراعات دينيّة وتعصّبات عرقيّة وطائفيّة، مؤكّدا أنّ كل هذه الغايات لن تتحقق الا بتضافر الجهود بين جميع القوى المجتمعيّة بمن فيهم صناع القرار ورجال الدين والمفكرون والإعلاميّون دون إغفال الأدوار التربويّة المنوّطة بالأسرة والمؤسّسات التربويّة والتعليميّة بما فيها الجامعات، مشدّداً على أهمّية الحوار ودوره في تحقيق الأمن الروحي والفكري في ضوء التعليم الدينيّة، في وقت يشهد فيه العالم تبدلات سريعة ومتداخلة تتجلى في التواصل والتفاعل بين المجتمعات والثقافات والجاليات من مختلف الجنسيّات والأعراق والأديان ممّا يحتمّ ضرورة إيجاد نقاط للحوار ومحطات للتواصل، مؤكداً أن الحوار الناجح يتمحور في الأساس على قيم إنسانيّة مشتركة. 

ومن جانبه أكد سعادة الدكتور أحمد زياد وزير الشؤون الإسلاميّة في جمهوريّة المالديف، فأكد أن الأمن الذي يحقق السلام لكل دولة وشعب، شرط لكل مجتمع ينشد التطوّر والازدهار وتحقيق غاياته بلا غلو أو تفريط، وأن حماية الأمن الروحي تتطلب الإلمام بالعلم وبالثقافة، داعياً إلى تحصين الشباب من كل ما يؤدّي إلى الفتن والتكفير والتفجير، مع معالجة كل هذه الإشكاليّات بحكمة وتعقل. 

ومن جانبه قال سعادة الكاردينال جاي لون توران، رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان في الفاتيكان، إن عالم اليوم يفتقر إلى السلام والاستقرار سياسيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً، ونوّه بدور القادة الدينيين في تحقيق هذه الغايات، كما دعا إلى الاهتمام بقضايا الشباب والعمل على تجنيبهم كل ما يقود إلى الإرهاب وإلى العناية كذلك بالمناهج والعمل على تضييق الاختلافات الثقافيّة والدينيّة. 

أما الحاخام الدكتور ريفين فوستون، المحاضر الجامعي بالولايات المتحدة الأميركيّة، فقال إن تقارب الحضارات مبدأ مشترك بين جميع الأديان، داعياً إلى حلّ أي اختلافات في هذا الإطار من خلال الأخوة التي تجمع بين الأديان والتعامل مع الآخر حسبما بيّنته الديانات السماويّة.

الدكتورة عائشة المناعي، نائب رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، قالت إن هذا المؤتمر الثاني عشر لحوار الأديان، تحت عنوان "الأمن الروحي والفكري في ضوء التعاليم الدينيّة"، وما سبقه جميعاً لا يخرج عن كونه كيف يكون الأمن والسلام ودور الأديان في تحقيقه للمجتمعات في ظلّ ظروف صعبة بها الشرق الأوسط خاصة ويعاني من العالم بأسره في ظلّ إرهاب تسلط على أرواح ودماء ومقدّرات البشر، ونتألم من اجله، والكمّ الهائل لتلك الحروب التي لا تراعي عرضاً ودماء، ولا مقدّساً أو معبداً، والتي هي من مقاصد الشريعة الإسلاميّة لا تخرج عن الديانات الاخرى، في المقاصد الإسلاميّة، موضّحاً إذا كنا تحدّثنا في السابق كان الحديث عن القيم والحضارات، وغرس الفضائل، وروح السلام، فنستشعر الحاجة للتأكيد من خلال هذا المؤتمر حول الأمن الروحي لأمننا والبشريّة جمعاء.