سمو الأمير يشمل برعايته الكريمة افتتاح منتدى الدوحة 2017

الدوحة في 14 مايو 2017م - قنا
الوفد الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة في نيويورك
١٦ مايو ٢٠١٧م

 

تفضّل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدّى، فشمل برعايته الكريمة افتتاح منتدى الدوحة في دورته السابعة عشرة، الذي ينعقد تحت شعار "التنمية والاستقرار وقضايا اللاجئين"، وذلك بحضور كل من فخامة الرئيس المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس جمهوريّة السودان الشقيقة، وفخامة الرئيس ابراهيم بوبكر كايتا رئيس جمهوريّة مالي، ودولة السيّد سعد الحريري رئيس وزراء الجمهوريّة اللبنانية الشقيقة، ودولة السيّد حسن علي خيري رئيس وزراء جمهوريّة الصومال الفيدراليّة الشقيقة، وعدد من أصحاب السعادة رؤساء الوفود المشاركين، بفندق شيراتون الدوحة صباح اليوم.  


حضر الافتتاح معالي الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخليّة وعدد من أصحاب السعادة الشيوخ والوزراء ورؤساء البعثات الدبلوماسيّة المعتمدين لدى الدولة.  
كما حضر الافتتاح عدد من رجال الأعمال وأكاديميين وبرلمانيين ومفكرين وإعلاميين وممثلي المنظمات الإقليميّة والدوليّة وممثلي منظمات المجتمع المدني ضيوف المنتدى.  

وألقى سمو أمير البلاد المفدّى كلمة فيما يلي نصّها:  


بسم الله الرحمن الرحيم
الحضور الكرام،  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،  


أودّ أن أُرحّب بِكم جميعاً في منتدى الدوحة السابع عشر الذي ينعقد في ظلّ ظروف وتحدّيات إقليميّة لا تخفى خطورتها عليكم.  
لقد أحسنت الهيئة التحضيريّة لمنتدى الدوحة اختيار موضوع هذا العام، فهو موضوع مصيري لملايين البشر ومُلِحّ بالنسبة للمجتمع الدولي بشكل عام.  
عبر التاريخ الحديث غادر الملايين بلدانهم هرباً من القمع والاضطهاد، أو من الكوارث الطبيعيّة، أو بهدف البحث عن حياة أفضل، ووجدوا لأنفسهم أوطاناً جديدة ، وثمـّـــة دولٌ كبرى وحضارات نشـــأت مــن هـــذه الهجرات .  


وقد اتّخذت هذه العمليّة طابعاً مختلفا مع نشوء الدول الحديثة والحدود وجوازات السفر وقوانين الهجرة والجنسيّة التي تختلف بين بلد وآخر، بين دول هجرة، ودول مستوعبة للهجرة، ودولٍ مصدّرة لها تعاني أصلاً من تفجّر سكاني قياساً باقتصاديّاتها، وأخرى مستوردة للعمالة وليس للهجرة. ولكن ستبقى دائماً نسبة من الناس تميل إلى تغيير ظروفها عبر تغيير مكان إقامتها مؤقتاً أو بشكل دائم.  


وليس هذا موضوعنا اليوم، فنحن نميّز مسألة اللاجئين عن هذه الإشكاليّات المهمّة بحدّ ذاتها، لأن مسألة اللاجئين ناجمة بحكم تعريفها عن فعل سياسي سواء أكان حروبا أمّ عمليّات اقتلاع وتهجير قسري. ولا يجوز لنا حتى أن نفترض أن هذه مسألة طبيعيّة مسلّم بها.  
لقد أفضت النزاعات والأزمات المتزايدة في عالمنا اليوم إلى تشريد ملايين اللاجئين حول العالم، وهذا يعني ملايين قصص المعاناة الفرديّة والعائليّة التي لا تقاس كميا؛ كما يعني العبث بمصائر البلدان والمجتمعات. الأمر الأكيد أن هذا يضاعف مسؤوليّة المجتمع الدولي، ويستوجب بذل المزيد من الجهود لإيجاد الحلول الجذريّة العادلة والمُستدامة لهذه النزاعات المولدة للاجئين وتخفيف معاناتهم في الوقت ذاته.  


إن أزمة اللجوء هي نتاج النزاعات الإقليميّة والحروب الأهليّة وعمليّات التهجير على خلفيّات عنصريّة عرقيّة أو طائفيّة أو غيرها. فمنها ما يعود لعقود طويلة مثل تشريد اللاجئين الفلسطينيين عام 1948م في النكبة الفلسطينيّة التي تصادف ذكراها هذه الأيام، ولهذا يصحّ القول أن قضيّة فلسطين بدأت بوصفها قضيّة شعب اقتلع من أرضه وشرد من وطنه؛ ومنها ما هو حديث نسبيّاً مثل حالة المهجّرين العراقيين هرباً من الحصار والحرب، ومنهم من هُجِّر على خلفيّة تطهير طائفي. وأذكر هنا بأسف شديد عمليّات تهجير المسيحيين العراقيين ليس فقط بسبب المعاناة والمآسي التي تعقب التهجير، فقد كان ضحيته المسلمون أيضا، وبالملايين، بل لأنها غيّرت من الطبيعة التعدّدية لمجتمعات عربيّة عريقة، ومسّت بغناها الحضاري.  


وما زالت الحرب التي تُشَنّ على الشعب السوري تُعمِل فيه تدميراً وتشريداً. وفقاً للإحصائيّات الدوليّة بلغ عدد اللاجئين السوريين خمسة ملايين لاجئ منذ بداية الأزمة. هذا عدا ما يقارب ضعف هذا العدد من المهجّرين داخل سوريّة نفسها.  
لقد لجأ الناس إلى مناطق أو دول أخرى لحماية أبنائهم من قصف طائرات النظام العشوائي والعقوبات الجماعيّة وعمليّات الانتقام التي ترتكبها قوّاته والميليشيّات المتحالفة معها، ومن السلوكيّات القمعيّة لبعض الحركات المتطرّفة التي فرضت نفسها على ثورة الشعب السوري العادلة بمطالبها المشروعة.  
ليست مشكلة اللاجئين التي أتحدّث عنها ناجمة عن الفقر وضيق سُبل العيش، وإنما هي نتاج الاضطهاد والقمع وغياب العدالة، وممارسات عنصريّة تقوم بها ميليشيّات طائفيّة خارجة عن سلطة القانون والشرعيّة، أو بسبب تدخّلات قوى خارجيّة تحاول أن تفرض سيطرتها وتبسط نفوذها، وجرائم جماعات إرهابيّة. كل هذا أدّى إلى تزايد أعداد الباحثين عن مأوى والمشرّدين الذين طرقوا أبواب الدول المجاورة، ثم أوروبا بالملايين، وضاقت بهم الأرض وتقطعت بهم السُبل ويزداد وضع اللاجئين سوءاً بسبب عدم الالتزام بتنفيذ الاتفاقيّات الدوليّة ذات الصلة .  


إن دولة قطر ووفاءً لالتزاماتها الإنسانيّة كعضو في الأسرة الدوليّة وإدراكاً لحجم المأساة التي يكابدها اللاجئون، بذلت وما زالت تبذل كل ما في وسعها للمساهمة مع المجتمع الدولي في تقديم كافة أشكال الدعم للاجئين من خلال المساعدات الإنسانيّة والإغاثيّة .  
ولكننا نؤكد أنه في النهاية يجب أن يكون الحلّ سياسيّاً يحقق العدالة للشعب السوري الذي مرّ بما لم يمرّ به شعب آخر لأنه تجرّأ على التطلع إلى الحرّية والعدالة.  
لقد قرّر النظام السوري تشريد شعبه وتغيير بنيته الديموغرافيّة بدلاً من تغيير نفسه.  


الضيوف الكرام،  
إن التنمية والاستقرار عاملان متلازمان؛ يعتمد كل منهما على الآخر، فلا تنمية بدون استقرار، ولا استقرار بدون تنمية. والتنمية بمفهومها الواسع تستهدف النهوض بالإنسان، وتحقيق الاستقرار للمجتمع، ولا يمكن للتنمية أن تحقق أهدافها إلا من خلال الحكم الرشيد، وسيادة القانون، ومكافحة الفساد والظلم، وإعلاء وترسيخ القيم الإنسانيّة، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة والمساواة وعدم التهميش أو الإقصاء الديني أو الطائفي.  
ويؤدّي غياب التنمية والاستقرار إلى تدفّق اللاجئين عبر الحدود ، لذلك ينبغي ألا ينفصل الالتزام الوطني في تحقيقهما، عن الالتزامات الدوليّة بشأن هذه القضيّة، وذلك بالعمل على تحقيق السلام العالمي، والعدالة حيث يسود الطغيان، وحيث تشنّ أنظمة حروباً على شعوبها .  
من هنا فإن المجتمع الدولي في حاجة لأنماط جديدة من التعاون، وبناء شراكات تتجاوز الهويّة الوطنيّة إلى مصاف الهويّة الإنسانيّة .  
وفي هذا السياق فإن دولة قطر تولي اهتماماً كبيراً بتحقيق التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبشريّة التي تتماشى مع الأهداف الإنمائيّة العالميّة المتّفق عليها.  


السيّدات والسادة،
يحمل اللجوء مشاكل كثيرة للاجئين أوّلاً، لكن اللجوء ليس سبباً من أسباب الإرهاب، بل إن خلفيّات الإرهاب السياسيّة والاجتماعيّة هي نفسها التي تولِّد نزوح الملايين. اللاجئ ضحيّة البيئة نفسها التي تنتج الإرهاب، وقد يكون بنفسه ضحيّة له، واللاجئون مغلوب على أمرهم في نهاية المطاف.  
إن الإرهاب والتطرّف ظاهرة عالميّة لا ترتبط بمجتمع أو شعب أو دين دون آخر، وقد باتت تُشكل تهديداً خطيراً للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم.  
ويتطلب استئصال هذه الظاهرةِ المقيتةِ تعاوناً دوليّاً واستراتيجيّةً ملزمة للجميع للتّصدّي للظروف والأسباب المؤدّيةِ للإرهاب والأفكار التي تبرّره وتمنحه شرعيّة من أيّ نوع، وأن تراعى في مكافحة الإرهاب أحكام القانون الدولي ومعالجة جذور هذه الآفة ومسبّباتها الحقيقيّة.  


إن البيئة المثاليّة لفعل أصحاب الأيديولوجيّات المتطرّفة لتجنيد الشباب هي انتشار الغضب بسبب العجز عن فعل شيء في مقابل الظلم والإذلال، وتجذّر الشعور بالغبن الذي يصاحبه اليأس وانسداد الأفق، ولا استثني أيضاً وجود أصحاب النفوس العنيفة بطبيعتها.  
إن عوامل مثل العنف النفسي والجسدي الذي يمارسه الطغيان أو الاحتلال الأجنبي والتشوّه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وانسداد آفاق التغيير، تدفع بالبعض إلى أحضان الحركات التي تطرح العنف مخرجاً.  
وفي هذا الإطار فإننا نؤكد على ضرورة مواجهة الأيديولوجيّات المتطرّفة وأصحابها الذين يستغلون مثل هذه البيئة للدفع بقلة من الشباب في هذا الطريق، ولكن لا يجوز أن ننسى البيئة نفسها. كما لا يجوز أن ننسى " إرهاب الدولة" الذي يمارَس تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، فيؤدّي إلى نشره ومضاعفة حجمه. كما يجب التمييز بوضوح بين الإرهاب والحق المشروع للشعوب في النضال من أجل الحرّية والاستقلال .  


الحضور الكرام،
إننا نؤمن إيمانا راسخاً بِأن الحوار هو السبيل الأمثل لتسوية النزاعات وحلّ الأزمات والصراعات الإقليميّة والدوليّة، وعالمنا اليوم أحوج ما يكون إلى تضافر الجهود والعمل الجاد من أجل تعميق مفاهيم الحوار وإشاعة ثقافة السلام والتسامح والمساواة ونبذ العنف والتطرّف. ومن هذا المنطلق، فإننا نسعى من خلال هذا المنتدى إِلى ترسيخ مبدأ الحوار ودعم قيم العمل المشترك والبناء الجماعي للمستقبل.  
سيناقش منتداكم هذه القضايا الحيويّة وغيرها التي تمسّ حياة الإنسان على مختلف الأصعدة الوطنيّة والإقليميّة والدوليّة ومن مختلف الزوايا القانونيّة والسياسيّة، ونتطلع إلى آرائكم ومقترحاتكم لإثراء هذا النقاش .  
أكرّر الترحيب بكم في الدوحة، وأتمنّى لهذا المنتدى كل التوفيق والنجاح،  
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.